من أجمل أيام العمر مرحلة الطفولة، نعيش فيها ببراءة وقلوب صافية، نقابل فيها الكثير من الأتراب، قد يكون بيننا اختلاف في الدين والجنس والعرق واللون ولكننا لا ندركه، نصادق فيها بإخلاص ونحرص على كثير من المعاني النبيلة الراقية دون وعينا بقيمتها ونبلها، تتجدد نفس المعاني في قلبك حينما تقابل أحد أتراب طفولتك، لحظتها قد تختلط الدمعة والبسمة ولا تعرف ماذا تقول؟!!
تجاورت مقاعدنا على أحد شواطيء الفنادق بمدينتي (مطروح)؛ مكاني المفضل الذي أقضي به ساعات الصباح من يوم الجمعة في أيام الشتاء، أتصفح الصحف أمام قرص الشمس وأشرب مشروبي المفضل، ألقى علي التحية في جرأة لم أتعودها من قبل ... فلم أرد تحيته ... فبادرني بالسؤال : ألا تعرفينني ؟؟ فرفعت وجهي ونظرت إليه قائلة: ومالمطلوب ؟ ... فكرر السؤال: ألا تعرفينني؟؟ تأملته ... صورة باهتة في مخيلتي ... ولكن لا أتذكر ... أين ومتى وكيف ... أسئلة بلا أجوبة ... كأنما وجهه خيال على صفحة الماء ... لم ينتظر، عرفني بنفسه ... رفيق مقعدي في مرحلة الطفولة، هاجر مع أسرته إلى انجلترا منذ زمن بعيد، يعمل جراحا بمستشفيات لندن ... أجل تذكرته عندما سمعت اسمه ... إنه (أكرم).
قال عرفتك منذ اللمحة الأولى ... لم تتغيري ... غير هذا الحجاب الذي يرمز إلى دينك ... لم ينتظر مني ردا بل استطرد قائلا: كنت دائما أراك إحدى القديسات، ألا تعرفين أنك سر تفوقي وأهم أسباب تغيير مجرى حياتي ... من المستوى العادي إلى النبوغ والتفوق ... كنت أغار من الأزرار الثلاثة التي تزين صدرك ؛ الأبيض والأزرق والأحمر ... كنت أغبطك لأنك الوحيدة بالصف التي تمتلك دائما هذه الأزرار الثلاثة التي ترمز إلى (النظافة والصدق والتفوق ) أنا لم أتغير هذا رأيه ... ولكنه تغير كثيرا؛ يتحدث بسرعة فائقة ... نظراته كمن يبحث عن شيء في وجهي ...
شرد ذهني كثيرا ... قفز الماضي بوجهه الملائكي المحبب وذكرياته الجميلة ... تطرق بنا الحديث في موضوعات شتى ... كانت خلاصته أن رنين صوتي في أذنه كناقوس يدق على امتداد عقود من الزمان مضت ... براعتي في كتابة موضوعات الإنشاء جعلته يحفظ ويذكر فقرات منها ... إجادتي لفن القراءة العربية جعله ينصت للدروس بشغف ...
حان موعد عودتي، مددت يدي لأصافحه، شد على يدي بقوة وقال: كنت ولازلت أرق من عرفت في حياتي ...
لهذه الدرجة قد نؤثر في حياة الآخرين دون أن ندري ...
لذلك قررت أن أبحث عن أزراري الثلاثة؛ الأبيض والأزرق والأحمر ... عسى أن يتغير شيء في هذه الحياة التي مللتها.
ساهم معنا في نشر الموضوع
المفضلات