وبدوري وقفت على شاطئ
المعرفة والإبداع
لاقتنص لنفسي من علمكما المتاح للعيان
ما بين فليسوفنا الكبير
محمود عباس مسعود
الذي دوما يتحفنا برحابه بكنوز لا تعد ولا تحصى
بأسلوبه الرائع النادر ,لدرجة يصعب علي حفظ
ما يكتب لرهافة احساسه وروعة مفرداته
وما بين فلسفة مفكرنا العالمي
دكتور محمد حسن كامل
العلاّمة المميز
المسافر بشرايين الحياة بعبقرية قل نظيرها
ليخترق الزمن المادي
علوا للزمن الروحي برحلته السرمدية..
حقا أقول لم يشهد عصرنا على مبدعين أمثالكم
وهنيئا لكل من يقرأ لكما
دامت كنوز عطاءكم لا تنضب , ومعكم توقف لدي الزمان..
دمتم منارة للعلم والمعرفة
ومع العبدة الفقيرة بينكما أضع التالي :
مفهوم الزمن عند الانسان
علم الوعى
مفهوم الزمن عند الانسان
لا مفر لأي عالم يريد أن يقدم شيئا متميزا في الفيزياء من أن يصطدم بجدار يجده في طريقه مكتوب عليه سؤال 'ما هو الزمن '، ولعل الذين ارسوا دعائم الفيزياء التقليدية غاليلي أولا ثم لايبنز ونيوتن قد اجابوا عن هذا السؤال بأن اكتفوا في تطبيقاتهم العملية بالتعامل مع الزمن الميقاتي المعهود الذي عهده عامة القوم، غير أن نيوتن وجد ما توصل إليه بياجيه في حقل الرياضيات وعلم النفس بأن السرعة هي الأساس وما الزمن إلا كائن مشتق من السرعة، فقد توصل بياجيه إلى أن العقل الإنساني في طور النمو وفي مرحلة الطفولة المبكرة يدرك التعاقب ويدرك بالتالي السرعة أكثر من إدراكه للزمن بشكل مستقل، أما آينشتاين فقد اعتبر أن سرعة الضوء هي المقياس الذي يمكن اعتماده لقوانين الفيزياء النووية، والحقيقة أن الفيزياء ما بعد الكوانتية وأعني بها الفيزياء التي تتبنى نظرية الوتر قد اقتربت لفهم الظواهر الفيزيائية ما دون الذرية من الفلسفة المحضة أو الفلسفة اﻟﻤﺠردة
أم العلوم صرح علماء الفيزياء الحديثة أنهم في بحوثهم حول الظواهر ما دون الذرية قد ولجوا باب الفلسفة، وأنهم أصبحوا مضطرين إلى التعامل مع الظواهر المادية - الطاقية على أنها ظواهر لا يمكن لهم أن يقرأوها إلا بمساعدة طريقة التفكير الفلسفية، والحال أن الفلسفة منذ كانت في المهد قررت انه لا مناص لفهم الظواهر الفيزيائية والميتافيزيائية إلا من خلال الخروج من الزمن الأرضي ومقتضياته والولوج إلى باب المعنى، لذلك كانت مفرداتهم الأساسية هي الوجود والماهية والسببية. وفي هذا الفلك ما يلاحظه الملاحظون أن الفلسفة قد ارتفعت منذ نعومة أظفارها فوق ذلك الجدار الذي استهللنا المقالة به، حتى انهم لم يلحظوا ذلك المكتوب وتركته للأرضيين من الناس!.
الصوفيون هناك صنف آخر من الحيوانات المعرفية قد ارتفعوا فوق هذا الجدار غير أنهم لم يرتفعوا مثل الفلاسفة دفعة واحدة فوقه، لكنهم صعدوا بالتدريج إلى أن انحلوا في المطلق والسرمدي وفي تلك اللحظة تلاشى تماما الجدار وما كتب عليه، الأمر أن الصوفيين ومن سلك مسلكهم قد عاشوا في اللازمن غير أنهم اتبعوا طريق التجربة أي أنهم وضعوا أنفسهم داخل التجربة ولم يكتفوا شأن الفلاسفة بأن يدخلوا التجربة بعقلهم الواعي فقط. وقد وصف الفلاسفة والصوفيون على السواء لردح طويل من الزمن بأنهم لا يمتون الى الواقع بصلة، وبأنهم ظاهرة محيرة، وقد وقف العلم ولا سيما العلم الوضعي والتجريبي البراغماتيموقف المستهزئ من التجريدات الفارغة التي ينتهجها أتباع الفلسفة وأتباع الصوفية، والحقيقة أن هؤلاء العلماء كانوا لا يلتفتون إلى كل من هذين الفريقين إلا عندما تثمر أشجارهم قوانين رياضية كقوانين الخوارزمي وعمر الخيام، وديكارت أو قوانين فيزيائية أو تطبيقات طبية. الزمن والطفولة المبكرة ما نلاحظه أن العلم كلما تقدم أكثر عبر عن مكنونه الفلسفي ودلل على الجذر الذي خرج منه، فالبحوث التجريبية الحديثة في علم النفس قد بينت بلا مجال للشك أن الزمن بالنسبة للإنسان ما هو إلا لحظة من لحظات الوعي، فالطفل في مرحلة الرحم وفي طفولته المبكرة غير مدرك تماما للزمن فضلا عن إدراكه لمفهوم الزمن، والحال أن إدراك الزمن يظهر وينمو مع ظهور ونمو الوعي أو ما يدعى الآن بالعقل الواعي،ولكن لو تساءلنا ما هو الزمن بالنسبة للطفل في مرحلة الرحم أو الطفولة المبكرة؟ علينا للإجابة عن هذا السؤال أن نحاول أن نفكر دون وعينا، ومن داخل الحالة. لأن الحالة التي نتكلم عنها خارجة عن دائرة الوعي. الحقيقة اننا في هذه الحالة لن نستطيع أن نتصور الزمن على الإطلاق. ولكننا فقط نستطيع حدسه، حيث يبدو لنا أنه السرمدي الممتد، المطلق، الخلود، اللامنتهي.
الزمن والوعي الإنساني البدائي ما ندركه عند تأملنا الزمن في مرحلة الرحم والطفولة المبكرة ندركه أيضا في الوعي الإنساني البدئي أي المرحلة التي مر فيها الوعي الإنساني البدائي ما قبل نشوء التقويمات، فإن نظرنا وسألنا أنفسنا كيف كان إحساس الرجل 'النيادرتالي' أو الجماعات الإنسانية قبل نشوء التقويم الفرعوني أو السامري أو الميلادي أو اليوناني أو الهجري؟ في مرحلة لم يكن هناك معنى للسنة أو الشهر أو الأسبوع أو اليوم أو الساعة والدقيقة والثانية، الحال أننا نلاحظ ما لاحظناه في الطفل طور الرحم أو الطفولة المبكرة حيث ان الوعي غير المكتمل لا يدرك الزمن. ومنه فإن الأقوام البدائية كانت غائرة في السرمدي غير متمايزة عن الطبيعة وعن اللحظة وهي من المؤكد لا تعرف من الزمن سوى التتابع في الحركة الأسطورة والزمن الممتد إن الميثولوجيا تزودنا بمعرفة مهمة عن كيفية تعامل العقل الإنساني مع الزمن، والحقيقة أن الأساطير السامرية والبابلية تزودنا بمعطيات مهمة جدا عن طفولة العقل الإنساني ليس فيما يختص بالزمن فقط ولكن بمجمل مكونات طفولة العقل. ما نلاحظه في الأساطير أن الأعمار التي كانت للشخوص ممتدة ومتمايزة على خلاف ما نراه في وقتنا الحاضر، حيث نرى
الكثير من الأشخاص يعمرون مئات السنين (في قياسنا الحالي) وآخرين يعيشون أجيالا متلاحقة، والأمر أن الزمن في ذلك الوقت لم يكن زمنا ميقاتيا لكنه زمن نفسي بكامل المعنى، والزمن النفسي الذي لم يدخل دائرة الوعي بعد يكون غير ميقاتي على الإطلاق ولكنه زمن يأخذ استطالته أو صغره تبعا للراحة النفسية والضيق النفسي. ولكننا لو تساءلنا مجددا لماذا تعتبر الأوقات السعيدة في المقياس النفسي صغيرة والأوقات السيئة طويلة؟ وبشكل أكثر دقة ما هو الشيء الذي يجعل الزمن النفسي قصيرا لحظة السعادة والشيء الذي يجعل الزمن طويلا لحظة التعاسة؟ ثم ما الفارق الجوهري بين هاتين اللحظتين؟ أسئلة قد تقودنا إلى الولوج إلى مفهوم الزمن في العصور البدائية عصر الأسطورة وما قبلها.
لزمن والنوم لعل أن أكبر مثال يمكن أن يوضح للقارئ العزيز اقتران الزمن بالوعي هو حالة النوم، فعندما ينام الإنسان يغفو معه الوعي ومهام الوعي، ولا يبقى غير العقل الباطن ذلك العقل الذي خرج من أحشائه العقل الواعي عبر تطور الجنس البشري، وعبر تطور الإنسان الفرد من الطفولة إلى الرشد، والأمر أننا في حالة النوم يختفي لدينا الزمن لينعدم أو ليتحول إلى امتداد مطلق، وما الأحلام التي تتبدى لنا في النوم إلا تدليل صارخ على ذوبان وتلاشي الزمن الميقاتي، فترانا نحلم بحلم أوله ينتمي إلى المستقبل ووسطه إلى الطفولة ونهايته في زمان ومكان لا نعرفهما أبدا. إن حالة انعدام الزمن لحظة النوم مشابهة إلى حد بعيد لحظة انعدام الزمن في كل من الطفل مرحلة الرحم والطفولة المبكرة من جهة ومن جهة أخرى لحظة انعدام الزمن في الطفولة الإنسانية في الأزمنة الأسطورية، والحال، لو استطاع الطفل أن ينطق بما يشاهده ويصفه لنا لوجدنا ان ما يتلفظ به يشابه كل الشبه الأساطير القديمة بما تحتويه من قصص خيالية، ولشابه من جهة أخرى الأحلام المتشابكة التي تختلط فيها الأزمنة والأمكنة بشكل كبير.
.زمن والخيال إن أحلام اليقظة، وما يتمخض عنها الخيال الإنساني في الأيام العادية هو أيضا بشكل من الأشكال خروج عن الزمن الميقاتي ودخول في الزمن السرمدي، ولعل أن الكثير من الأفكار المبدعة لا مجال لنا من إدراكها دون أن نفعل ملكة الخيال لدينا على أن تقترن بالحس السليم الذي أساسه الصدق. إن الرياضات الروحية أو رياضة النفس 'اليوغا' مبنية بشكل جوهري على الخروج من الزمن الواقعي.
ومعكم عبرت خطوط الزمن ,محلقة بسماء إبداعكم..!!
مودتي مع فائق التقدير والإحترام
المفضلات